لقد بدأ سماحة الشيخ المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي في خطابه الفاطمي رقم عشرين بقوله تعالى “فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ؛إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا ” ليقف خلال خطابه المبارك عند عدة ثنائيات اهمها:
– ثنائية (الصبر في قبال الفتح)
– وثنائية الصبر الجميل في قبال الصبر غير الجميل
– وثنائية القرب في قبال البعد
– وثنائية رؤية المؤمن في قبال رؤية غيره..
حيث لمح لشرطية وجود الصبر لتحول الفشل إلى نجاح ؛ والتراجع إلى تقدم ؛والتقاعس إلى همة..
وذلك من خلال (قاعدة تفعيل) لا تكون إلا باتصاف المؤمن بقرب ما يراه غيره بعيدا ؛ حيث أشار لتأسيس الآية الكريمة لهذه القاعدة العامة التي ” توجّه سلوك المؤمن، وتجعل قلبه مفعماً بالأمل والانشراح، وتجعله مندفعاً نحو العمل الإيجابي المثمر المبارك”
وقد نقل سماحته التبيين المختصر للامام الصادق (ع) لمعنى الصبر الجميل بأنه الذي يكون دون شكوى ؛ ليكشف من خلال هذا التبيين ان أحد أهم أسباب تراجع المشاريع الحقة هو تذمر العاملين وكثرة الشكوى.. بين من يشتكي من التهميش ؛ وبين من يشتكي من انحصار المكاسب بغيره؛ وغير ذلك..
فلكي نحقق الفتح المؤمل لا يكفي الإتصاف بالإيمان ؛بل لا يكفي الإتصاف بالعلم فلابد من صفة الصبر التي هي بمثابة (امير الجنود ) الذي يضبط جوارح ، وأفعال الإنسان بحسب التعبير المنقول عن الرسول الاعظم صلوات الله عليه وأله
“اَلْعِلْمُ خَلِيلُ اَلْمُؤْمِنِ وَ اَلْحِلْمُ وَزِيرُهُ وَ اَلْعَقْلُ دَلِيلُهُ وَ اَلْعَمَلُ قَيِّمُهُ وَ اَلصَّبْرُ أَمِيرُ جُنُودِهِ”
وقد بث سماحته الامل في قلوب المؤمنين من خلال اشراقتين:
الأولى: تأكيده على ظاهرة الفرج والفتح بوجوه المؤمنين من خلال آليات غير متوقعة كما كان لاهل الكهف ؛ ولنبي الله موسى ؛ وهو أمر يدفع بعدم سيطرة اليأس عند (تشخيص انسداد الحلول الظاهرية) “حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين”
الثانية:تصريحه بأن الحل يبدأ من النفس من خلال قوله”فأن الفتح يشرق من داخل النفس ثم يتحقق في الخارج” وفي هذا (نافذة أمل) من خلال الكشف بأن المشكلة ليست تلك المشكلة الخارجية ؛وليست بتلك المشكلة المعقدة .. فالحل بأيدي المؤمنين من خلال تفعيل جذوة تلك الاشراقة المطلوبة في داخل النفس..
نعم فإن الفتح المطلوب مرهون بتوفر (الأساس و الواوات الثلاثة ) التي نصت عليها سورة الفتح من خلال البدء بالنفس ، وضرورة تحقيق ثلاثية (منظومة النجاة)
“إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا” والأساس بذلك تخلية النفس من الذنوب “لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ”
و(ثلاثية المنظومة)
1 اتباع القيادة الحقة الذي جعلته الزهراء شرط نجاة “وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ ”
2 واتباع المنهج الحق “وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا”
3 وديمومة العمل “وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا” بمعنى أن النصر الاستراتيجي هو الذي يحقق الفتح لا ذاك المؤقت المرحلي ليرجعنا إلى خطاب سابق أشار فيه لتقابل النصر الدائم العزيز قبال النصر المرحلي المؤقت..
فلكي نحظى بالفتح المؤمل لابد من الانطلاق من منظومة نجاة عقدية يتسم صاحبها بروح الامل ، و ديمومة العطاء مهما كانت الظروف لنرى بعين الله لا بعين غيره إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا
الشيخ حازم الشحماني
يوم الزيارة الفاطمية ١٤٤٦