من المتعارف عليه في ثقافتنا أن الكتابة عن الشخصيات العظيمة غالباً ما تأتي بعد وفاتها، وكأن الإنصاف لا يُمنح إلا بعد رحيل الإنسان عن الحياة.
هذه العادة تحتاج إلى إعادة نظر، لأن الإنصاف الحقيقي يتطلب تسليط الضوء على الجهود والإنجازات في حياة الأفراد، هذا النهج لا يعزز فقط إبراز قيمة أعمالهم، بل يتيح لهم الفرصة لتصحيح أو توضيح ما يُكتب عنهم، بدلاً من أن تتولى الأجيال اللاحقة هذه المهمة بعد وفاتهم.
في هذا الإطار، يبرز المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي، كواحد من الشخصيات التي تستحق الاهتمام والتقدير في حياته، فهو ليس مجرد فقيه في إطار الحوزة العلمية التقليدية، بل يمثل شخصية تحمل مشروعاً متكاملًا يسعى لتحقيق نهضة شاملة للأمة على مستويات متعددة.
فقيه ذو مشروع متكامل
المرجع اليعقوبي يتميز بجمعه بين العمق الفقهي والرؤية التجديدية التي تتجاوز النمطية الجامدة، لا يمكن الإحاطة الكاملة بمشروعه في مقال واحد، إذ يتطلب ذلك سلسلة من المقالات والدراسات التي تسلط الضوء على مختلف جوانب أعماله ومشاريعه التي تستحق البحث والنقاش، ومن أبرز ما يمكن الإشارة إليه أن الرجل يمثل منهج عمل متكامل، ودرسه يُبرز جنبة أخلاقية متميزة تعكس اهتمامه بتربية طلبته علمياً وسلوكياً، كما يتميز بإحاطة واسعة بالروايات الواردة عن المعصومين، مما يعزز فهمه العميق للنصوص الشرعية.
أما منهجه في تفسير القرآن الكريم فهو موضوع آخر يستحق دراسة مستقلة، حيث يظهر ارتباطه الوثيق بالقرآن الكريم، واعتماده على أدوات علمية رصينة تمكنه من الغوص في أعماق الآيات القرآنية، دون أن يخرج عن الجادة أو يشط عن الأصول العلمية، هذا الجانب يعكس رؤيته العميقة للقرآن كمنطلق أساسي لكل مشاريعه.
صاحب منهج قبل كل شيء
المرجع اليعقوبي يمثل نموذجاً فريداً في الساحة العلمية والدينية، حيث يجمع بين الأصالة والتجديد، وبين الالتزام بقيم التراث الإسلامي والانفتاح على متطلبات العصر، إنه ليس مجرد فقيه يقتصر على الجوانب التقليدية للدرس الحوزوي، بل هو صاحب مشروع فكري متكامل يسعى لإعادة صياغة العلاقة بين الدين وحاجات المجتمع المعاصر.
منهج شامل يجمع بين الأصالة والمعاصرة
اليعقوبي لا يكتفي بالتعامل مع النصوص الإسلامية من زاوية تقليدية، بل يمتلك منهجاً شاملاً يعيد قراءة هذه النصوص في ضوء المتغيرات الاجتماعية والثقافية الحديثة، يعتمد في ذلك على أدوات تحليلية تجمع بين الفقه والأصول وبين القضايا الواقعية التي تواجه الإنسان اليوم، ما يجعل منهجه حياً وقادراً على الإجابة عن الأسئلة المعاصرة.
بناء العقل الإسلامي المعاصر
أحد أبرز جوانب منهج اليعقوبي هو تركيزه على بناء العقل الإسلامي، بطريقة منهجية تجمع بين العمق العلمي والبصيرة الأخلاقية، يدعو إلى ربط النصوص الدينية بالسياقات الاجتماعية والثقافية التي أنتجتها، مما يعزز فهماً ديناميكياً للشريعة، بعيداً عن الجمود التقليدي، هذا النهج يجعل من درسه العلمي أكثر من مجرد نقل معرفي، بل عملية تربوية وأخلاقية تسعى إلى تكوين شخصية متكاملة.
تجاوز الأطر المألوفة
اليعقوبي يرفض الانحصار في الأطر المألوفة، بل يسعى إلى توسيع دائرة التأثير لتشمل قضايا الأمة الاجتماعية وغيرها، إنه يؤمن أن المرجعية الدينية ليست مجرد موقع فقهي، بل هي قيادة فكرية تهدف إلى تحقيق نهضة شاملة، من هنا، يأتي دوره في تأسيس المؤسسات التعليمية والثقافية التي تعكس رؤيته الحضارية وتوسع دائرة التفاعل مع المجتمع.
الإنسان محور المشروع
يجعل المرجع اليعقوبي الإنسان محور مشروعه الإسلامي. فهو يرى أن النصوص الإسلامية جاءت لترشيد حركة الإنسان، لا لتقييده، لذلك، يؤكد على ضرورة أن تكون الفتاوى والاجتهادات الدينية، متجاوبة مع احتياجات الناس وقادرة على التعامل مع تعقيدات الحياة الحديثة.
مشروع قرآني متجدد
اليعقوبي يتميز أيضاً بارتباطه العميق بالقرآن الكريم، حيث يعيد النظر في تفسير النصوص القرآنية بروح علمية تحترم أدوات الاجتهاد الأصيلة، وتستفيد من العلوم الإنسانية الحديثة، هذه الرؤية تجعل من منهجه في التفسير مدخلاً لفهم أعمق للشريعة الإسلامية وأدواتها.
خلاصة
المرجع اليعقوبي ليس مجرد فقيه، فهذا أمر مفروغ منه، بل هو صاحب رؤية تهدف إلى بناء مشروع فكري متكامل يعيد تعريف دور الدين في العصر الحديث، يجمع بين العمق العلمي والانفتاح على متغيرات الواقع، ليصبح نموذجاً حياً للفقيه القادر على ربط التراث بالمستقبل، والفكر بالعمل، والنص بالحياة، إن منهجه يُمثل دعوة صريحة للتفكير والتأصيل من أجل تحقيق نهضة إسلامية شاملة.
مُلاحظة: هذا ما أفهمه، وسماحته بطبيعة الحال لا يتحمل مسؤولية فهمي، الذي قد يكون في محل ما ليس صائباً.
هادي حسين ناصري/ إسلام آباد