بسم الله الرحمن الرحيم
شذرات من خطبتي عيد الفطر المبارك
الشذرة الثانية
اشار المرجع اليعقوبي الى ضرورة ان يتخذ الانسان المؤمن موقفا واضحا لا غبار عليه تجاه نصرة الحق، باستشهاده بقول امير المؤمنين (عليه السلام) : (إن سعدا وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق ، ولم يخذلا الباطل).
وحقيقة الامر ان هذا القول فيه ثلاث جوانب:
الجانب الاول: نصرة الحق، وهذا يعني: توضيح معالم جهة الحق ومشروعها النهضوي وبذل الجهد في دفع كل الشبه التي تثار ضدها والسعي لاقناع الامة باحقيتها واستقامتها في تطبيق المشروع الالهي. (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
الجانب الثاني: خذلان الباطل، ونعني به ايضاح كل الممارسات السيئة التي تمارسها الجهة الباطلة من تجهيل وتسطيح لعقول الناس وتدجين المؤمنين وتضليل الامة والفرعنة والطغيان وغيرها من الممارسات غير المنسجمة مع المصادر الرئيسة للتشريعات الاسلامية، لكن باسلوب علمي مهذب مقنع للمتلقي، والابتعاد عن السباب والكلمات غير المناسبة لان جهة الباطل يمكنها ان تستخدم هذه الكلمات لاثارة المجتمع وتنقلب القضية.
الجانب الثالث: نصرة الحق وخذلان الباطل، اي توضيح معالم جهة الحق ودفع كل ما يرد من شبه ومحاولات لتسقيطها، وفي الوقت نفسه كشف زيف الجهة الباطلة وتوعية الامة لكل المغادرات الشرعية والاخلاقية والعلمية التي تقوم بها الجهة الباطلة.
ان نصرة الحق تحتاج الى تنظيم ومعرفة دقيقة باساليب ادارة المعارك والحروب، ومن الضروري الاطلاع على ما اسس له الامام امير المؤمنين (عليه السلام) في مجال التخطيط لمواجهة الاعداء:
(من كلام له (عليه السلام) قاله لأصحابه في ساحة الحرب:
وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء ، ورأى من أحد من إخوانه فشلا فليذب عن أخيه بفضل نجدته التي فضل بها عليه كما يذب عن نفسه . فلو شاء الله لجعله مثله . إن الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب . إن أكرم الموت القتل . والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش . فالنجاة للمقتحم والهلكة للمتلوم. فقدموا الدارع وأخروا الحاسر ، وعضوا على الأضراس ، فإنه أنبى للسيوف عن الهام. وراياتكم فلا تميلوها ولا تخلوها ، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم والمانعين الذمار منكم ، فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم ، ويكتنفون حفافيها : وراءها وأمامها . ولا يتأخرون عنها فيسلموها ، ولا يتقدمون عليها فيفردوها . أجزأ امرؤ قرنه ، وآسى أخاه بنفسه ، ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه . وأيم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآخرة ). نهج البلاغة ج 2 ص 3
يمكن فهم ما قاله الامام (عليه السلام) وتطبيقه على واقعنا اليوم بخاصة ونحن نعيش حالة التصدي لهجمة شرسة تهدف الى القضاء على جهة الحق المتمثلة بالمرجع اليعقوبي، وسيكون الكلام مقسم على نقاط:
النقطة الاولى: ضرورة تعاون الكتلة المؤمنة واعانة بعضهم بعضا، لانهم يواجهون عدوا واحدا، فليس من مصلحة الكتلة المؤمنة ان يظهر عليهم الضعف امام الاعداء، واذا ما فشل احدهم فعلى الاخرين ان يذبوا عنه ويدافعوا عنه كما يدافع احدهم عن نفسه. والفشل هنا اما بمعنى انه لم يتمكن من المواجهة بالشكل اللائق فيضعف امام هجمات العدو، او انه لا يملك سلاحا وحجة قوية يجاري بها الاعداء، او انه تهور في الدفاع مما جعل العدو قادرا على مقاضاته ومحاكمته ومنعه من اداء اي فعل لنصرة الحق. وعلى كل المعاني يجب نجدته واعانته والدفاع عنه كما يدفع اي شخص عن نفسه.
النقطة الثانية: لا بد على اي فرد يخوض حربا لنصرة الحق ان يوطن نفسه ومن معه على الموت في اي لحظة والموت في هذا الطريق هو الشرف بعينه، فالموت يدرك الجميع ولا يستثني احد، فالافضل ان يموت الانسان دون الحق وان لا يكون موته موتا طبيعيا.
النقطة الثالثة: قال الامام (عليه السلام): قدموا الدارع واخروا الحاسر. اي ان يتصدى للدفاع عن الحق من له القدرة على ذلك وان يكون قادرا على صد الهجمات ومتسلح بكل ما من شانه ان يحميه من التراجع والاصابة، وليكون درعا للحاسر اي الذي يكون عرضة للاصابة. في وقتنا الحالي الذي يجب ان يتقدم على الاخرين من تسلح بسلاح العلم ورجاحة التصرف والحكمة في اتخاذ المواقف.
النقطة الرابعة: العض على الاضراس، اي تحمل الالم والمعاناة التي تصيب الكتلة المؤمنة نتيجة هذه الحرب، والمطاولة فان الحرب قد تستمر مدة طويلة فلا بد من الصبر وتحمل كل انواع البلاءات والمشاق.
النقطة الخامسة: ضرورة تصدي الشجعان لحمل راية الحق فانهم قادرون على الحفاظ على هيبة الراية، والراية تعني عنوان جهة الحق، وكذلك فان الشجعان لا يمكن شراء ذممهم لان اعداء الحق يستخدمون كل الاساليب.
النقطة السادسة: على الجميع القيام بدوره فلو ان كل فرد قام بدوره على اتم صورة لخف على الجميع اهوال المواجهة.
اضف الى ذلك ان مواجهة اعداء جهة الحق على مراتب فلا يتصور احد ان المواجهة على نفس المرتبة فكل بحسبه، خير مثال على ذلك: ان من قاتل مع امير المؤمنين (عليه السلام) ليس جميعهم استمر الى نهاية المطاف فبعضهم قاتل في الجمل ثم تقاعس، وبعضهم قاتل في الجمل وصفين ثم تقاعس والبعض الاخر استمر الى النهاية ثم قاتل وصمد مع الامام الحسن (عليه السلام). وفي وقتنا الحالي هناك من يصمد ويدافع مدة ثم يتقاعس ومنهم من يستمر في الدفاع.
في الختام اقول: ان نصرة الحق ليس موقف وينتهي الحال بل هي حرب طويلة الامد كل ما ينتهي عدو يظهر غيره.