في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، تُعد العلمية في الفقه والأصول أحد أهم المعايير لاختيار مرجع التقليد، وهي المحكّ الأساسي الذي يُبنى عليه تقليد الأمة لمرجعها، فالعلمية ليست صفة رمزية أو مكانة اجتماعية، بل مقام علمي رفيع تُثبت بالدليل والممارسة والنتاج العلمي، وعلى أساسها يُرجّح الأعلم على غيره.
وتُقاس هذه العلمية بمعايير دقيقة، أبرزها:
1. التمكّن من ملكة الاستنباط واستحضار النصوص الشرعية عند الحاجة، من دون اعتماد مفرط على آراء السابقين.
2. الإبداع في علم الأصول وبناء نظريات تسعف في فتح آفاق جديدة للاجتهاد.
3. سعة النظر الفقهي وتطبيقه على قضايا العصر، بما يدل على شمولية الرؤية وعمق التحليل.
4. النتاج العلمي المنشور الذي يُعبّر عن اجتهاد فعلي وممارسة عملية، لا مجرد تقارير أو تكرار لما سبق.
5. شهادة أهل الاختصاص من أساتذته وتلامذته والباحثين من داخل الوسط الحوزوي.
وعند تطبيق هذه المعايير على مرجعنا الجليل آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)، نجد بوضوح:
أولًا: التميّز الأصولي والمنهجي
لقد أثبت الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) حضوراً نوعياً في علم الأصول، ليس فقط من خلال استيعاب المباحث المعروفة، بل عبر طرح رؤى جديدة ومقاربات تجديدية في العقل العملي، وفلسفة الحكم الشرعي، وتداخل الملاكات، وهي موضوعات تُعدّ من أدقّ مباحث هذا العلم، وقد انعكست هذه الرؤية في بناء فقهي متميز، يجمع بين الالتزام بالمصادر والاجتهاد في تنزيلها على الواقع.
ثانياً: اجتهاد فقهي حيّ ومعاصر
لم يتوقف فقه الشيخ اليعقوبي عند أبواب العبادات والمعاملات التقليدية، بل انفتح على المسائل المستجدة، في الاقتصاد، والسياسة، والأسرة، والتربية، والعمل الحزبي، وغيرها.
وقد عالج هذه القضايا بلغة الفقيه المستنبط، لا الناشط الثقافي أو الكاتب العام، فتميّزت فتاواه بالشجاعة العلمية والانضباط المنهجي، وفتحت آفاقاً جديدة في فقه الدولة، وفقه المجتمع، وفقه الإنسان.
ثالثاً: الممارسة العلمية والإنتاج الفقهي المستمر
من أقوى الشواهد على أعلمية الشيخ اليعقوبي، هي مواصلته الدؤوبة لعملية الاجتهاد والاستنباط، سواء من خلال دروس البحث الخارج المستمرة منذ أكثر من عشرين عاماً، أو عبر الإجابة على الأسئلة المستجدة التي تُعرض عليه من مختلف البلدان، أو من خلال تأليف الرسائل العملية والدراسات الفقهية النوعية.
رابعاً: شهادة الأستاذ وإقرار الفضلاء
لقد حاز الشيخ اليعقوبي شهادة متميزة من أستاذه الشهيد السيد محمد الصدر (قده)، الذي لم يكن يُطلق الأحكام جزافاً، حيث وصفه في أكثر من موضع بأنه من أبرز تلامذته وأقربهم لفكره وأقدرهم على حمل مشروعه العلمي والرسالي، بل أشار إليه صراحةً كمجتهد مطلق يمكن الرجوع إليه من بعده.
النتيجة:
إن استقراء هذه المعطيات العلمية والمنهجية يُفضي إلى نتيجة واضحة وهي أن الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) هو الأعلم من بين فقهاء عصره في النجف الأشرف، من حيث امتلاكه أدوات الاجتهاد، وممارسته المستمرة له، ونتاجه الأصيل، وانفراده في معالجة قضايا العصر، فضلاً عن سعة رؤيته في الجمع بين الفقه والفكر والدولة والمجتمع.
وفي زمن تشتد فيه الحاجة إلى مرجعية حيّة، مجتهدة، متفاعلة مع الواقع، فإن مرجعية الشيخ اليعقوبي تمثل صوت الفقه الحيّ، والعلم المتجدد، والدين الواعي، وهي جديرة بأن تتصدّر موقع القيادة العلمية للأمة، لا بقرار إداري أو ترويج حزبي، بل بميزان “الأعلم فالأعلم” الذي أقرّه العقل والنص.
الشيخ هادي حسين ناصري