لعل الجميع سمع الخطاب الفاطمي الأخير الذي ألقاه المرجع اليعقوبي، على حشود المؤمنين في النجف الأشرف بتاريخ 5/12/2024 م، وكان بعنوان: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَنَرَاهُ قَرِيباً) المعارج: 6-7 السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) والوعد بالفتح.
افتتح المرجع خطابه بهذه الآيات: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً* إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً*وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج: 5-7].
ومن الواضح أنه يشير إلى قضيتين رئيسيتين: الأولى: تزايد الشدة والبلاء التي تحتاج إلى الصبر الجميل في قابل الأيام، والثانية: نهاية الطغاة والظلمة وتحقق الوعد الإلهي بنصرة المؤمنين.
وقد بين المرجع اليعقوبي في خطابه الاستشرافي عدة أمور:
الأمر الأول: تكليف المؤمنين بشكل دقيق تجاه وقوع الأحداث، قائلاً: (وما على المؤمنين إلا التربص والانتظار والثقة التامة بوعد الله تعالى ليروا ما يحلّ بالكافرين {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52] {قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [يونس: 102]، والانتظار والتربص لا يعني الاكتفاء بالتفرج بل (ومثل هذا الصبر يكون حافزاً على العمل والتقدم وليس مثبّطاً أو محبطاً).
الأمر الثاني: كما أنه بين سبب هذا العداء لأهل الحق سابقاً في اعتراضهم على أن القيادة يجب أن تكون في علي (عليه السلام)، واليوم يتخذ أهل الباطل السبب نفسه في حربهم على المرجع اليعقوبي أي اعتراضهم على قيادته الأمة والسير بهم إلى بر الأمان، فقال: (وإذا لاحظنا الآية الكريمة ضمن سياق الآيات السابقة عليها {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج: 1] التي دلّت الروايات على أنها نزلت في المعترضين على تنصيب النبي (ص) علياً (ع) خليفةً من بعده وولياً لأمر الأمة في يوم الغدير، وقالوا {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]، وعلى هذا فالآيات الكريمة تتوعد الذين أنكروا ولاية أمير المؤمنين (ع) بالعذاب القريب).
وهنا ملاحظة مهمة وهي أنهم حفروا قبروهم بأيديهم بطلبهم العذاب، وبوقوفهم ضد الحق استعجلوا العذاب، واليوم قام أهل الباطل بنفس الدور بتعرضهم لمن يمثل الحق.
الأمر الثالث: كما أن المرجع بين للمؤمنين مصير أهل الباطل، وقرب الصورة بذكر أمثلة من القرآن الكريم، ولو دققنا النظر فيما ذكره المرجع اليعقوبي فسنجد توافقاً كبيراً مع الآية التي ذكرها سابقاً في خطابه: (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا)، فالله تعالى تكفل بنهاية فرعون وأتباعه (إن الباطل والظلم والعدوان مهما تفرعن وتجبّر وطغى، وظنّ بعدم وجود من يردعه فإن نهايته قريبة وغير متوقعة، فمن كان يتصور أن نجاة النبي موسى (ع) والذين آمنوا معه تكون بتلك الطريقة وهي إغراق فرعون وجيشه العظيم في الماء في اللحظة التي يئس المؤمنون فيها من النجاة)، فإذا كان الطغاة يهيمنون على كل عناصر القوة، فالقوة الإلهية فوق الجميع، وهذا إشارة من المرجع للمؤمنين بأن نهاية الطغاة ستكون وتتحقق أسرع مما تتوقعون.
فكل عاقل ومنصف يقرأ الخطاب بدقة ووعي، يجد أن المرجع اليعقوبي رسم لنا صورة كاملة لما سيحدث وما على المؤمنين أن يفعلوا وما النتيجة التي ستؤول إليها هذه الحرب.
أتعرفون مرجعاً قائداً يستشرف ما سيقع ويبين ملابساته للأمة غير المرجع اليعقوبي؟ وبدوري أذكر الأخوة في الناصرية عندما تحدثت معهم من خلال الندوة التي أقيمت بمناسبة ولادة الزهراء (ع) وشرحنا الخطاب الفاطمي قلنا: إن المرجع يشير لوقوع أحداث جليلة علينا أن نكون بالمستوى المطلوب وأن نهيئ أنفسنا لذلك..