بالإضافة إلى المقومات الفقهية (1) فإن مرجعية الشيخ اليعقوبي تمتلك خصائص أخرى مما تتطلبه وظيفة رعاية المجتمع الديني، وقد تحدثنا سابقاً عن مشروعه الأخلاقي وتهذيب جمهوره بمئات المحاضرات الأخلاقية والقرآنية، ونحن لا ندّعي أن جميع أفراد قاعدته مثاليون، ولكنهم في الجملة أكثر القواعد الشعبية تعايشاً مع الآخرين وقبولاً للمختلف وحسن ظنٍّ بالإخوة الدينيين، رغم أن الشيخ اليعقوبي يقول بولاية الفقيه العامة وبعالمية الإسلام التي تتسبب بحماسة أكثر في نفوس العاملين، بينما نجد فقهاء يقولون بالولاية الخاصة ومن المفروض أن الحماسة لنشرها أقل، وأتباعهم أشد الناس عدائية وانفراداً، ويرون كل مرجعية أخرى بدعة في الدين تبيح المحرمات وإهانة لمقام نائب المعصوم تستوجب الاستنفار لتسقيطه.
إن نقاط التفوق الأخرى لمرجعية الشيخ اليعقوبي التي سنطرحها لا تعني أن الآخرين فاقدون لها، بل نريد بها أن سماحة الشيخ متقدم فيها بخطوات (2) لأنه بدأ قبلهم وأعدَّ كوادر مؤهلة لها، وأن الذين اتبعوه لاحظوا هذا التقدم واقتنعوا بكفاءته ووجدوا معه فرص عمل كثيرة ونافعة لخدمة القضية الأساسية للإسلام التي فتح لهم سماحته فضاءً واسعاً منها، يتضمن الاستعداد لدولة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وتنظيم المجتمع الإسلامي وصيانته وحفظه لذلك المستقبل، فضاقت على تلك النخب فضاءات العمل مع الآخرين الذين لا زالت أساليبهم ومنهج تفكيرهم تقليدياً من ناحية الانفتاح على المثقفين واحترام دورهم وإعطائهم فرص العمل، بدل ربط كل شيء بطلبة الحوزة فقط.
ومن تلك النقاط الامتلاء الثقافي، فإن الشيخ اليعقوبي بدأ بالاستعداد الثقافي للهجمة الغربية الثقافية قبل سقوط النظام الجائر، وكان يلقي محاضرات تثقيفية في جامع الرأس الشريف (الذي تحول إلى رواق أبي طالب اليوم) حول الثقافة الغربية وتحليل كتب نهاية التأريخ لفوكوياما وصراع الحضارات لبريجنسكي، وتفكيك المشروع الأمريكي في المنطقة، وما ينبغي من الاستعداد والتمسك بالهوية الدينية ورد الشبهات وتقديم الإسلام لجميع شعوب العالم.
وأنشأ مدارس دينية في المحافظات تقوم بتدريس الطلبة العلوم الحوزوية إلى مرحلة المقدمات، بينما ترى بعض المرجعيات أن المدارس الدينية يجب أن تبقى في النجف فقط، ومثلها مدارس نسوية لنشر الفقاهة في أوساط النساء، ومع الدراسة الفقهية يتم تزويد الطلبة بثقافة علمية كالحاسوب والرياضيات واللغة الإنكليزية كما كنت أتذكره بل كنت أستاذاً في بعضها.
وكان سماحته ولا يزال يرعى الأقلام الثقافية والكفاءات العلمية والأدبية والفنانين، ليحشدهم جميعاً ويعينهم على أداء دورهم في هذه المواجهة الشاملة، وقد صدرت برعايته ودعمه مئات الكتب منهما دورات في رد الشبهات الإلحادية وبيان الهوية الإسلامية، وأقيمت عشرات المؤتمرات والندوات، والاحتفالات، والمهرجانات الدينية، وترتبت عليها الكثير من الأعمال الصالحة.
ويعلم المطلعون على مشاريعه الاجتماعية أن هذا الكلام قليل في حقه، ونحن في غنى عن استعراضه اليوم لولا أن بعض الجهات تحاول شيطنته وتبغيض الناس به، بل ونسف مشاريعه، حتى صاروا يرسلون على النساء التي تدّرس أو تدرس في مدارسه النسائية لينهونهن عن التدريس فيها والحضور في حلقاتها، غير التقاطعات الاجتماعية التي وصلت إلى مرحلة النهي عن التصاهر مع من يقلده، وتتبع أئمة المساجد من أتباعه وطردهم منها والإتيان بشخصيات أقل كفاءة لا تتمتع بكفاءات المعزولين، وغيرها من الأمور المؤذية التي تسعى لإفشال أعماله (غير التنافسية) من دون تقديم بديل للمجتمع عنها، وآخرها سعيهم للدخول إلى الجامعات ونشر ثقافة التسقيط واستعمال النفوذ والاحترام لمنع رجال الحوزة من أتباعه من الوصول إلى طلبة الجامعات، ثم يغادرون وقد حرّموها على أتباع الشيخ وملأوا عقول الشباب بالحقد والإشكالات على سماحته، وتركوا طلبة الجامعات يعانون من مشاكل أخطر كانتشار الإلحاد وتعاطي المخدرات بينهم، وآثار ومشاكل الاختلاط بين الجنسين.
———————————————————-
(1) ذكرنا في المقالات السابقة شواهد للتفوق الفقهي للشيخ اليعقوبي على السيد السيستاني، وهي شواهد من عشرات المناقشات الأخرى في موسوعة فقه الخلاف، وتوجد أضعافها مع فقهاء آخرين من الماضين والأحياء، وليس الغرض منها أن نعلن في مواقع التواصل الاجتماعية أعلميته، وإن كانت هذه النتيجة وجيهة، بل لكي نقول أن مرجعية الشيخ متنجزة للشروط الشرعية وللحد اللازم من الفقاهة، وهي مرجعية تسد الثغور وتنسجم مع سائر المرجعيات وتحفظ لكل مسلم مكانته ولكل مرجع احترامه.
(2) ربما لأسباب تتعلق بدراسته الأكاديمية، وربما بسبب كون الفقهاء الآخرين كبار في السن ولم يعهدوا نوع الثقافة الطارئة وما أضافته على أذهان أبناء المجتمع.
كتبه عماد علي الهلالي