المرجع اليعقوبي (دام ظله الوارف) والغاية الأسمى للإسلام
١. الغاية الأسمى للإسلام
إن هذه الغاية التي يسعى لها الإسلام لكل البشرية منذ نزول آدم (عليه السلام) إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لخصها قوله تعالى في سورة الذاريات المباركة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)).
فهذه الغاية تؤكد أن بني البشر أنبياؤهم وأتباعهم وأئمة ومواليهم وملوكهم ومملوكيهم ومراجع ومقلديهم وكل من على وجه الأرض من بشر هي واحدة وهي الانتظام بأمر الله تعالى والتناهي عن نواهيه وصولاً للغاية العظيمة للخلق وهي العبادة، فكل فعل يصدر يكون معضّداً وموجهاً ودافعاً نحو هذه الغاية فهو منسجم انسجاماً تاماً مع مراده جل وعلا من أيّ شخص كان، ومن أي ملة كان أو عرق كان أو توجه أو فكر ما دام يسعى لدفع الناس نحو عبادة الله والالتزام بأوامره والانتهاء عن نواهيه فهو فعل ممدوح أمامه جل وعلا.
٢. سيرة الأنبياء والأئمة والمراجع العاملين
دأب المصلحون على مر التأريخ على حث الناس على طاعة الله تعالى ودعم أعمال الخير التي يفعلها حتى أعداؤهم أحياناً! ذلك أنهم (عليهم السلام) كانوا ينظرون إلى محصلة تلك الأفعال ومدى أثرها في المجتمع ولو كانت من غيرهم، بل أنهم (عليهم السلام) كانوا يسعون لإحراج السلطات المنحرفة بشتى الطرق لكي تنسجم أفعالهم ولو بدرجة ما مع ما أراده الله تعالى في هداية وصلاح البشر، ولو كان فعل هؤلاء المنحرفين والطواغيت هو لغير وجه الله تعالى، والشواهد عديدة ولكن أذكر منها استثمار السيد السهيد الصدر الثاني (قده) للحملة الإيمانية التي أطلقها الطاغية المقبور هدّام، في دفع المجتمع نحو الهداية والصلاح واستغلال أجواء الانفتاح الديني في الشروع بخطوات نحو تعزيز إيمان الناس وارتباطهم بالدين، ولو كان الطاغية لا يقصد بهذه الحملة الخير ولا الهداية.
٣. ما الذي يريده اليعقوبي ؟
تهم كثيرة لا أخلاق فيها ولا إنصاف توجهت إلى هذا العبد الصالح وهو سماحة المرجع الديني الشيخ محمد موسى اليعقوبي (دام ظله الوارف)، وأخص منها أنه طالب للجاه والسلطة بتصديه للمرجعية وهذه لعمري غاية متدنية ومسقطة للعدالة لو ثبتت لأي إنسان، فضلاً عن رجل الدين، وإن هذه الغاية المتسافلة لا تهدي أحداً ولا تدفع باطلاً بل يسعى فيها الفرد لتحصيل غاياته من السلطة الدينية التي تبدأ بأخذ الأموال بغير حق إلى صرفها في غير موضعها والإفتاء بغير حق والسعي لتحصيل المكاسب الفردية من القداسة والجاه والتبجيل وكثرة الأتباع وغيرها من الأنور التي فعلتها بعض الجهات ردحاً من السنين، وتعود تلك التهمة لتلصق باليعقوبي! بعد أن كان هو أول من حاربها! فكيف ينسجم ذلك؟
الحقيقة التي يجب أن نتعرف فيها عن هدف اليعقوبي الحقيقي من كل ما يقوم به؟ هل هدفه الجاه والسلطة ووووو من أمور الدنيا أو هدف شيء آخر؟
الجواب عن الشق الأول من السؤال يتضح بجلاء عندما نعلم أن الطريق الذي شقه اليعقوبي مخالفة سيرة الحوزة التقليدية على مستوى التدخل بالسياسة والظهور العلني والتماس مع المجتمع بالمباشرة، وانطلاقه بالهداية بشخصه وخطبه وبياناته ومواعظه والعمل المجتمعي بمؤسساته التي هي بالمئات، وتحمله في ذلك الأذى النفسي والاتهامات والتسقيط ولوم العامة لما لا يستوعبونه من أفعال أو تروك يقوم بها أقول أن هذا الطريق لا ينسجم تماماً مع طالب السلطة ولا الجاه الذي يكون في الغالب من الساكتين والمناغمين للباطل والمتلفعين بالقداسة والمبتعدين عن المجتمع، والذين يكونوا بذلك من المقدسين بنظر المجتمع.
أما الجواب عن الشق الثاني من السؤال وهو عن الغاية الحقيقية لما يريده اليعقوبي فقد اتضح جزء منها في جواب الشق الأول، أما الأوضح فهو دعم اليعقوبي لكل فعل خير ولو صدر من غيره أو ممن يحاربه ففي مرة من المرات أرشدني سماحته إلى قراءة كتاب لأحد مخالفيه وخصومه! لا لشيء إلا لأنه نظر إلى أن هذا الكتاب يؤدي المطلوب ولو كان كاتبه منحرفاً! أو أن كاتبه من خصومه! بل والأكثر من ذلك أنه دعم فتاوى لمراجع آخرين في قضايا الانتخابات والدستور بلا حرج مطلقاً، لكونها تؤدي إلى نتيجة واحدة في تحقيق مرضاته جل وعلا، وفي كثير من الأحيان يقوم الآخرين من خصومه بفعل نفس الأفعال التي أمر بها وقام بها سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله الوارف) طمعاً في أن لا يسبقهم اليعقوبي بها، فكان سماحته يرى أنه حقق ما يريده بإحراج الآخرين ودفعهم نحو فعل ما فعله ودعم ما دعمه أو النهي عما نهى عنه ولو أحياناً بعد مدة طويلة، لأن هذا الأمر هو غاية ما يريده سماحته فلا يشترط أن الفعل الجيد أن يكون جيداً فقط عندما يصدر منه أو منه مكتبه، كلا فكل فعل خير ولو كان فعله الآخرون عندما أحرجوا أو لغير وجه الله تعالى، فيعتبره نصراً له ومثاله القانون الجعفري الذي رفضته مرجعيات كبيرة لأنه قد يحسب لليعقوبي عند تمريره، ولكن بعد تمريره بعد سنوات كان داعماً له ولو حسب إلى غيره المهم أن النتيجة تحققت.
من هنا أقولها بضرس قاطع لو وجد اليعقوبي مرجعية تمثل وجهته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضاء حوائج الناس وإنصاف الآخرين من نفسها وخلوها من الأغراض الدنيوية، لما تردد لحظة بالتنازل لها ودعمها لأن الغاية ما دامت تحققت بمرجعية واحدة فلا حاجة لتعدد المراجع كما قال ذلك عام ٢٠٠٣م .
هل عرفتم الآن ما يريده اليعقوبي؟
قال تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٩) الأحقاف.
د. وائل الشهابي